فاقد الهمس لا يكتب شعرا

   ميمون أم العيد

قالت : لماذا لا تقول فيَ شعرا !  تكتبه لي خصيصا , تهديني إياه في عيد المرأة أو في  عيد الرجل أو حتى في فاتح ماي. المهم أن تقول لي شعرا . أو لم تقل أنك تحبني منذ الزمن الأول ! كيف تطاوعك الكلمات و لا تقوى أن تكتب لي حفنة كلمات تغرقني دلالا , هيا اهمس في أدني .
ما أصعب أن تقف عاجزا أمام طلب كهذا. بحتث في تلافيف دماغي لعلي أعثر على مقطع شاعري كتبته سهوا في غفلة عن مشاكل الحياة لكني لم أجد غير جملة مقالات عن غلاء الأسعار عن البؤس عن الفقر عن الجوع , ولولا خوفي أن تكشف ضعفي لنسبت لنفسي بعض قصائد الكبار عن المرأة عن الحب عن العطر , لكني أعرف أنها تحفظ الكثير من الشعر الرومانسي ولا شك أنها سوف تكشف جبني منذ أول بيت , تنحنحت و عزمت على أن أرتكب جرما في حق الرومانسية فقلت :

رغم الرياح , رغم الزلازل

رغم البعاد , و كل السلاسل

 ستبقين في قلبي يا حلوتي

رمز الوفاء

رغم الهجر , رغم السفر

رغم البعاد يا نور البصر

كفرت بنسيانك خبزتي

"أنــ..

قاطعتني في غضب , رغم أني ما يزال في قريحتي الكثير من الشعر , قالت والحيرة تشغل حيزا كبيرا في وجهها الملائكي.

 هذا ليس شعرا , ألم تجد في كل المعاجم كلمات أرق من قطرات الندى تهديني إياها , ما بالك تقول : الزلازل و السلاسل و الرياح و الكفر و الخبز , ياه ما أثقل هذه الكلمات و ما أبعدها عن القلب ,   اقرأ دواين الشعراء , شعراء الرقة و كلام الهمس , إن كان فيك هم الشعر, دعني أقرأ لك ما قاله نزار قباني :

 » أنا أحبك .. حاول أن تساعدني

فإن من بدأ المأساة .. ينهيها ..

وإن من فتح الأبواب .. يغلقها ..

وإن من أشعل النيران .. يطفيها ..

يا من يدخن في صمت .. ويتركني ..

في البحر .. أرفع مرساتي وألقيها ..

ألا تراني ببحر الحب .. غارقة ..

والموج يمضغ آمالي ويرميها ..

إنزل قليلا عن الأهداب .. يا رجلا ..

ما زال يقتل أحلامي .. ويحييها ..

كفاك .. تلعب دور العاشقين معي ..

« وتنتقي كلمات .. لست تعنيها

  يا   سيدتي ; ليس بين ضلوعي هم الشعر و لا غم النتر , أحمل هم الخبز , في وطني أطفالا صغارا بلا أحذية   في الشتاء يموتون بردا و في الصيف حرا و بين الشتاء و الصيف يعانون,

أنى لي أن أتقن فن الهمس و ما سمعت غير الشتائم و الإهانات "شد الصف أولد ال.."

كيف أكون شاعريا و قد ولدت في زمن القحط و في وطن القحط,

يا حبيبتي لقد تعودت على قلة الأدب و دربت أسناني الصفراء على الظهور بمنظر المسرور  الحامد الشاكر  و كم مرة ابتسمت في وجه من أريد أن أقول له "تفو"

من آتيك بكلام الهمس يا سيدتي و ما سمعته في حياتي , في وطني تقاس مرتبة البشر بما يملكون و يقاس وزنهم بما في جيوبهم , حتى أن أحد أصدقائي يقول لي دوما : عندك مية تسوا مية , عندك ألف تسوا ألف , ماعندك والو تسوا والو"

من أين لي بكلام الهمس  فهل فاقد الشِّعر ينظمه.