ذهبية المغربية نوال المتوكل


لوس أنجيليس 1984: ذهبية المغربية نوال المتوكل في 400 متر حواجز

المغربية نوال المتوكل


على خط البداية صحراء قاحلة ، بدون أب في المدرجات ، بعد خبر حداث سيارته قبل ستة شهور ، جليد غرف دون موين في ولاية أيوا ، إمكانية العودة إلى كازابلانكا مجدداً ، كل شيء يبدو للحظات بلا معنى ، حتى قبل أهم سباق في  تاريخها القصير ، تلك الفتاة قصيرة القامة ، سمراء بشعر مجعد بكثافة من بلد لم يقدم أي بطل في ألعاب القوى من أي نوع ، سوى فضية رضا بن عبد السلام في ماراثون روما 1960 ، ليس هناك من مبرر لاستمرارها في دون موين، حتى لو كانت رحلتها قد استمرت ست سنوات فقط من الركض كمراهقة بمضامير كازابلانكا الرملية، إلى الركض في الحارة السابعة في مضمار ملعب هيلسنكي ببطولة العالم  1983 إلى جانب السوفيتية أنا أمبرازيني حاملة الرقم العالمي ، أول مغربية على الإطلاق تتواجد بنصف نهائي بطولة عالمية من أي نوع.

ذلك اليوم المشمس من الصيف الفنلندي لم تلحظ فيه الفتاة صاحبة الاسم العربي لدى وقوفها على خط البداية سوى طريق بمنحني دائرى مقوس ، كاسر للظهر وللآمال ، يتخلله عشرة حواجز كل أربعين متراً ، كل أربعين متراً هناك أمل أن تصبح بطلاً للعالم ، أو تصبح الأخير ، أن تصبح في النهائي أو لن يتذكرك أحد ، مجرد عداء عبر خط النهاية ولن يتذكر أحد اسمك ، 300 متر والفتاة ذات القميص الأحمر هي الرابعة ، إنها في النهائي ، الحاجز قبل الأخير يجعلها تتأخر للمركز السادس دفعة واحدة ، الأمريكية باركسديل كانت في النهائي كرابع ، إلا أن الحاجز الأخير أهدى بطاقة التأهل الأخيرة للرومانية وكوجوكارو ، 400 متر روليت من نوع خاص ، السقف لفتاة مغربية لن تحقق أكثر من هذا في سن الحادية والعشرين ، تشاهد النهائي من المدرجات ، اكتساح أوروبي شرقي ، مشاهدة صاروخ سوفيتي أشقر باسم يكاترينا فيسينكو  ذهبية السباق للألعاب الجامعية وهي تحقق 54.12 ثانية ، خلفها مواطنتها أمبرايزيني، ثم قاطرة ألمانية شرقية بإسم يلين فيدلر بطلة كأس العالم 1981 ، التي حلت فيها المغربية النحيفة في المركز الأخير.

الشقيق عاد وحيداً لكازابلانكا بعد إبلاغ خبر الأب ، فيما فضلت قضاء أمسيات دون موين ترسم خطوطاً طفولية على نوافذ نزلها الشتوي ، مستغلة وجود الضباب على الحاجز الزجاجي ، والتدرب صباحاً ، الفوز بذهبية ألعاب الجامعات الأمريكية ، على حساب رهبان من عوالم مختلفة ، سعياً لمكان في ألعاب لوس انجيليس ، متابعة مارجاريتا بونوماريفوا في يونيو وهى تحطم رقم امبرازيني ، سوفيتية أخرى تكتسح الساحة ، أول فتاة على ظهر الكوكب تنزل تحت حاجز ال54 ثانية ، جنسية أمريكية على المنضدة يتم رفضها ، مقاطعة أوروبية شرقية للألعاب ، لن يكون هناك سوفييت ولا بيترا بفاف وبيترا كروج ، وكل من سبقوها في هيلسنكي ، كل هذا لم يغير من نظرتها كثيرا ، فهي تعتقد أن لا فرصة أمامها ، وتسلم الزي الخاص بالبعثة المغربية ، الفتاة الوحيدة وسط أكثر من 130 فرد ، الجميع يطالبها بميدالية لا تعلم كيف يمكن تحقيقها ،  وهي تجلس لمتابعة صديقتها الأمريكية جودي براون ، حاملة ذهبية البان أميركان 1983 ، آن لويز سكوجلوند بطلة أوروبا 1982 ، أسطورة آسيا الشابة بيلافولاكاندي أوشو ، أمل الهند في كسر أساطير أخرى باستحالة تفوقهن في العاب القوى ، لغم أسترالي جديد باسم ديبي فلينتوف بطلة الكومينولث ، وأحد أكبر الأسماء المنتظر وجودها على منصة التتويج ، بطلة ألعاب الكاريبي 1982 الجامايكية ساندرا فارمر ، إلى جانب كوجوكارو بطلة أوروبا داخل الصالات ، والتي خطفت بطاقة التأهل إلى نهائي هلسنكي في الحاجز الأخير.

كل ما كانت تحتاجه الفتاة ذات ال22 عاماً هي البداية المتهملة الواثقة ، فائزة بالتصفية الأولى على حساب بيكسديل وساندرا فارمر بزمن 56.49 ، قبل أن تدخل نصف النهائي في مجموعة عصيبة ، إلا أنها كسرت كوابيس هيلسنكي ضامنة التواجد كأول عربية في نهائي أوليمبي لألعاب القوى بالحلول ثالثة بزمن 55.65 خلف سكوجلوند وكوجوكارو وعلى حساب فارمر مجدداً ، ولكنه زمن يضمن لها مبدئيا ميدالية ، كونه أفضل من أزمنة أوشا وجودي براون فلينتوف في التصفية الثانية.

فتاة جاءت من الركض على شواطيء الدار البيضاء كمن أطلقها والدها من المصباح السحري ، تضع نفسها وضع الاستعداد في تلك الظهيرة من 8 أغسطس بالكوليزيوم ، كل ما تراه هو ذلك الطريق المقوس ، والذي تتخلله عشرة حواجز وانتظار طلقة من مسدس صوت ، الانطلاقة الأولى لنوال كانت الرصاصة ، الأفضل بين الحارات الثمانية ، لوهلة نسى الجميع بونوماريوفا ، غياب الرفيقات عن المشاركة ، فقط الفتاة النحيفة ذات القميص الأخضر ، تنهي الحاجز الرابع في المقدمة بفارق بسيط عن جودي براون وكوجوكارو ، الجسد الذي كان في نظر الكثيرين قبل لوس انجيليس مجرد جسد نحيل ، تحول إلى سيارة فورميولا ، الأمر بالنسبة لها أكثر من مجرد 10 حواجز ، والدها الذي كان يذكرها في عقب كل تمرين بأنها ستكون ذهبية أوليمبية ، الطرد القادم من أيوا بمنحة رياضة ورفضت أن تفتحه ، الليلة الأولى وحيدة في غرفتها في ليلة ممطرة بدون موين ، ذلك التذكير عندما تلتقي عيناها بأعين مسئول رياضي رسمي بأن الرهان عليها ، رؤية المغربية وإلى جانبها أوشا الهندية في المركز الرابع تقاتل من أجل دخول منصة الميداليات  كانت أشبه بمشاهدة مصيرين متوازيين في مرآة.

 في الوقت الذي ضيقت فيه كوجاكورا الخناق قرب الحاجز قبل الأخير ، كانت مضاعفة السرعة التي قامت بها صاحبة القميص الأخضر هي عملية إلقاء آخر جبل كان على كتفيها ، لم يبق أمامها سوى تجاوز ذلك الحاجز الأخير الذي أعطى الرومانية مجداً مؤقتاً  قبل عام ، بعد التخطي كانت ابنة لاعب الجودو على بعد عشرة أمتار أخيرة من تجاوز خط النهاية ، حتى جودي براون علمت أن صراعها الحقيقي هو في الفوز بالفضة ، نظرة من المتوكل يميناً ويساراً قبل عبور الخط ، لا يوجد أحد ، للمرة الأولى يصبح الشعور بالوحدة جميلاً  ، لم تكن هناك قطع جليد تحولت إلى سائل يهبط لقاع النافذة ، فقط قطرة عرق من الجبين مباشرة إلي العين ، تشعرها بألم خفيف ، شمس لوس انجيليس تشعرها بدوار خفيف وكانها في طقوس العودة لجسدها ،  لتكتشف أن خط النهاية الذي عبرته لا عودة منه.
 
شاهد سباق 400 متر حواجز بأولمبياد لوس أنجيليس 1984 وفوز نوال المتوكل بالذهبية:

 

Commentaires